في مارس من عام 2017، تم الإعلان عن أن شركة البيانات «كامبريدج أناليتيكا» قد حددت القياسات الخاصة «بشخصية كل شخص بالغ في الولايات المتحدة»، حسب تعبير «ألكسندر نيكس» المدير التنفيذي السابق للشركة. وقد أفادت تقارير أن الشركة قد ساعدت في انتخاب دونالد ترامب باستخدامها لبيانات تحصلت عليها من منصة فيسبوك. وعلى الرغم من أن كامبريدج أناليتيكا قد قدمت طلبًا بإعلان الإعسار منذ ذلك الحين، فإن جمع البيانات المستندة إلى السمات الشخصية واستخدامها يظل ممارسة مهمة بالنسبة إلى الشركات الخاصة والحملات السياسية على حد سواء، ولا سيما مع زيادة الطلب على خدمات القياسات النفسية.
هو عملية استنتاج السمات الشخصية استنادًا إلى التصرفات كما تُرصد أو كما يُبلِغ عنها أصحابها. ولطالما استخدمت مجالات التسويق والعلاقات العامة والسياسة علم النفس من أجل فهم معتقدات الأشخاص وسلوكياتهم ودوافعهم، والتأثير عليها. ويأخذ خطوة أبعد في هذه الممارسة بالتنقيب في كميات هائلة من البيانات الشخصية، والتي يمكن أن يستخدمها الإستراتيجيون السياسيون من أجل تكييف طريقة تواصلهم، بحيث يكون لها تأثير أكبر على الآراء السياسية وتفضيلات الناخبين.
وتتعدد الطرق التي يمكن من خلالها تشكيل التصنيفات النفسية، أبسطها هو إجراء استبيان يجيب فيه الأفراد على أسئلة تكشف جوانب من تكوينهم النفسي. فالمستخدمون الذين يجيبون بأنهم دائمًا ما يتبعون الخطط، على سبيل المثال، يعتبرون من ذوي الضمير الحي، وهي صفة تنبئ باحترام السلطة والنظام والانضباط. وبينما يقدم هذا النوع من الاستبيانات أساسًا لتكوين تصنيف نفسي، فإن التحاليل المعتمدة على البيانات سمحت مؤخرًا بأن يتخطى صيغة السؤال والجواب. فلم تعد مدخلات المستخدم ضرورية حاليًّا لوضع أنماط للأفراد، حيث يزعم الباحثون أن السمات الشخصية يمكن التنبؤ بها أيضًا من خلال تحليل طريقة استخدام الشخص لمنصة فيسبوك. بمعنى أنه لا توجد حاجة لسؤال أحد الأشخاص عن درجة انفتاحه، بينما يُظهر إعجابه بصفحة عن ليوناردو دافنشي على فيسبوك درجة عالية من الانفتاح. وإن ذلك لا يسمح فقط بتقليص الحاجة إلى إجراء استبيانات مرهقة، بل يسمح أيضًا بإجراء عمليات التنميط على مستوى ضخم.
إن أحد نماذج التنميط الأكثر شيوعًا هو نموذج «أوشان OCEAN»، والذي يطلق عليه أيضًا نموذج «الخمسة الكبار» أو «نموذج العوامل الخمسة»، ذلك لأنه يقيس خمس سمات شخصية وهي: الانفتاح ويقظة الضمير والانبساط والود والعصابية. وتشير الأبحاث النفسية إلى أن هذه السمات الخمس تستوعب طائفة من الدوافع والتفضيلات الفردية أوسع من تلك التي تستوعبها أي مجموعة أخرى من خمس سمات. ومن الواضح أن الأنماط التي يوفرها نموذج «أوشان» تمثل موردًا قيِّمًا بالنسبة إلى الحملات والإستراتيجيين الذين يرغبون في توصيل رسالة سياسية معينة. ويتضح ذلك في تصريح «نيكس» من كامبريدج أناليتيكا والذي أشار بأنه «عندما تكون لديك معرفة بشخصيات الأفراد الذين تستهدفهم، تصبح لديك القدرة على ضبط رسائلك بفاعلية أكبر بحيث يمكنها ترك صدى لدى تلك المجموعات الرئيسية المستهدفة. فإذا كان لديك جمهور يتسم بدرجة عالية من العصابية ويقظة الضمير، فسوف تحتاج إلى استخدام رسالة عقلانية وتعتمد على الخوف أو العاطفة».
على العكس من فئات مثل العمر والنوع الاجتماعي، فإن خصائص الأنماط النفسية لا يمكن رصدها مباشرة، بل ينبغي الاستدلال عليها من خلال نماذج إحصائية. في عام 2013، كان «مايكل كوسينسكي»، وهو من رواد مجال التنميط والسلوك الرقمي، أول من يظهر أن الخوارزميات يمكنها التنبؤ بالسمات الشخصية استنادًا إلى تسجيلات الإعجاب على منصة فيسبوك. وقد نشر «كوسينسكي» وفريقه البحثي تقريرًا يزعم أن الخوارزميات تنتج أحكامًا أدق على الشخصية باستخدام البيانات مقارنة بالبشر، متجاوزة في ذلك أحكام الأصدقاء وزملاء العمل وشركاء الحياة، حتى مع توفر قدر متواضع نسبيًّا من البيانات لديها. وأخيرًا، أظهر الفريق في عام 2017 أن الإعلانات المخصصة وفقًا للأنماط النفسية هي أكثر فعالية في العالم الحقيقي من الإعلانات التي ليست كذلك. وقد تم الكشف عن بعض مصادر البيانات الخاصة بشركة كامبريدج أناليتيكا بالإضافة إلى منهجها الأكاديمي بسبب تبليغ أحد موظفيها عن مخالفات، وتعرضها إلى مراقبة مكثفة من وسائل الإعلام والحكومة، غير أنه لم يزل هناك الكثير من الجوانب المبهمة داخل صناعة التنميط الربحية.
المملكة المتحدة: لقد قام كل من الحزب المحافظ وحزب العمال بشراء خدمات من وكالة إكسبيريان لتقارير المستهلكين الائتمانية، والتي تزود عملاءها دوليًّا بأنواع البيانات الشخصية التي يمكن استخدامها في التنميط . وتزعم الشركة العاملة بوساطة البيانات أن لديها بيانات لأكثر من مليار شخص في أوروبا والولايات المتحدة، وأنها حصدت إيرادات بقيمة 4.6 مليار دولار أمريكي في عام 2018. وبينما لا يوجد دليل يشير إلى أن أيًّا من الحزبين استخدم بيانات التنميط المتوفرة لدى إكسبيريان، غير أن الشركة قد استثمرت موارد في تكوين تلك الملفات الخاصة بالسمات الشخصية وأتاحتها لعملائها. ومن ضمن العروض المتعددة التي يقدمها قسم خدمات التسويق بشركة إكسبيريان هي خدمة «أوديانس آي كيو Audience IQ»، وهي خدمة تسويق متكاملة يتضح أنها بإمكانها «التأثير على السلوك التصويتي من خلال المزج ما بين الخصائص الديمغرافية والسيكوغرافية والسلوكية».
الولايات المتحدة: قامت شركة كامبريدج أناليتيكا بتحديد واستهداف الناخبين القابلين للإقناع في الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016 لحساب المرشح «تيد كروز»، ولاحقًا لحساب دونالد ترامب. وقد ربط «نيكس» صراحةً ما بين استهداف الشركة للسمات الشخصية والتأثير على السلوك التصويتي قائلًا: «إن السمات الشخصية هي التي تحرك السلوك، والسلوك بالطبع يؤثر على كيفية التصويت». وشاركت كامبريدج أناليتيكا أيضًا في انتخابات في 20 دولة على الأقل من خلال شركتها الأم "Strategic Communication Laboratories. باستخدام بيانات تم جمعها في الأصل من منصة فيسبوك، تدعي كامبريدج أناليتيكا أنها تمكنت من توجيه إعلانات للناخبين من خلال الاستهداف الدقيق حول قضايا ساخنة مثل ملكية الأسلحة النارية.
إن الحالات المنفصلة لاستخدام التنميط التي يمكن دراستها ليست بكثيرة. بعد أن تفجرت فضيحة الكشف الخاص بشركة كامبريدج أناليتيكا، أطلقت منصة فيسبوك أداة تتيح للمستخدمين أن يتحققوا مما إذا كانت بياناتهم قد اختُرقت. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تقديم طلب وصول إلى البيانات، كالذي يصرح به النظام الأوروبي العام لحماية البيانات (GDPR). وعلى الرغم من أن تلك العملية قد تستغرق وقتًا طويلًا، فإن نتائج الطلب يمكن فحصها للبحث عن أدلة تشير إلى وجود تنبؤات تستند إلى السمات الشخصية. ومع ذلك، فليس هناك من طريقة شاملة لمعرفة ما إذا كانت بياناتك قد استخدمت في تكوين نمط نفسي.
اعتبارات
● نظرًا إلى فاعلية التنميط المزعومة، فإنه يمكن استخدامه بهدف تشجيع الناخبين غير المسجلين على الانخراط في العملية السياسية أو لدعم جهود تعزيز إقبال الناخبين غير الحزبية.
● يمكن بسهولة استخدام تفاصيل شخصية خاصة من قبل الشركات والحملات لأغراض تلاعبية. فيمكن أن تقوم الحملات بتسخير البيانات الخاصة بالتركيبة النفسية الاستهلاكية بهدف قمع التصويت أو في أشكال أكثر غموضًا من التأثير.
● قد يفقد الناخبون الثقة في العملية السياسية إذا اعتبروا أن استخدام التنميط في الحملات السياسية هو أمر يخترق الخصوصية أو يفتقر إلى الشفافية.
● قد يتم تنميط الأفراد دون علمهم أو موافقتهم، وقد لا يكون لديهم سبيل لتفادي تأثير هذا التنميط على قراراتهم السياسية.
Author: Varoon Bashyakarla